عالدّوم خيا عالدّوم

هُجّرت من قريتها طفلة بعمر ٦ سنوات وعادت اليها بعمر ال ٧٤.

ساعات من السعادة الغامرة عشتها لدى اصطحابي الحاجة نعمة شقديح، مواليد ١٩٤٢ في قرية بيت نبالا المهجرة قضاء الرملة الى مسقط رأسها.
جاءت الحاجة نعمة من الاردن لأول مرة بعد عقود من التهجير، انطلقنا من منطقة باب العمود غرباً باتجاه الرملة مروراً بعشرات القرى المهجّرة.. كنت بدايةً وبكل صدق في غاية التوتر لحرصي على مشاعرها،
اذ ان بيت نبالا على 
وجه التحديد وخلافاً لبعض القرى المهجرة، تم مسحها تماماً وما بقي منها هي المدرسة التي اصبحت مشتلاً، بئر القرية باتجاه دير طريف وبعض القبور المتناثرة.
كلما اقتربنا من بيت نبالا، وبتناسب طردي يزداد توتري وتزداد نعمة اطمئناناً بل وتسمِّ لي اسماء القرى المحيطة،
"مرّينا من جمزو ؟ "
" طيب وصلنا الحديثة يمّا ؟ "
" هذا الشارع اللي بودي عاللد ؟ "
اقتربنا من مفترق بيت نبالا والذي يطلق عليه الاحتلال "مفرق نبالات" .. هي لحظات لتدخل كيبوتس "بيت نحيميا" لتطل عليك مدرسة القرية ..
- هي وصلنا بيت نبالا يمّا.
لم تكن لحظة حزن او غضب.. فجأة ابتسمت نعمة وبدأت تقص علينا عشرات الحكايا، فيضان من الذكريات.. لوهلة تصبح المستعمرات المحيطة غير مرئية ويتحول المكان الى الاسود والابيض..
رأيت نعمة تركض وتلعب بالقرب من ارض الزيتون مع اختها آمنة.. ثم شاهدتها تنتظر عودة والدها من اللد على طرف القرية مع اختها الكبرى مريم ..
وبدهشة تراقب النسوة في السهل الشامي قرب المقبرة يبكين ويلطمن على فقدان عزيزٍ بعد ان صبغوا اثوابهن النبالية المطرزة باللون الاسود او النيلي الغامق.

مشينا بصعوبة بين الاشواك محاولين الوصول الى ما تبقى من المنازل.. نبات الشومر الجاف يرتفع اكثر من مترين وبالكاد اصبحنا نرى بعضنا، ها هو الصبار مجدداً ..
"كل ما تشوف صبر بتعرف انه هون كان في بيوت وهدّوها"
توقفت نعمة عند احد اشجار قريتها التي عادت اليها بعد ٦٨ عاماً في الشتات وبدأت تقطف ثمارها وتأكل..
- ايش هالشجرة يمّا ؟
"شجرة الدوم"
وهنا بدأت نعمة تغني ليكتمل المشهد ملوّناً:
عالدوم خيا عالدوم .. شو جاب امبارح لليوم
امبارح باقت شاريد .. واليوم مطر وغيوم
عالدوم خيا عالدوم .. عالدوم دمي ودمك يجمع شملي مع شملك
تمنيت عمري وعمرك قصر عليّ دايم دوم
خيال وين مغرّب .. ميّل وإتريّح عندي
لعملك كاسه شراب .. سكر مع تمر هندي
عالدوم خيا عالدوم .. شو جاب إمبارح لليوم