مجزرة على سفح الجرمق

 

مجزرة على سفح الجَرمْق

قبل ٧ أعوام، التقيت باللاجئ الفلسطيني جميل حمد المولود عام ١٩٣٥، الذي يعيش بمخيم شاتيلا في بيروت، وينحدر من قرية الصفصاف المهجّرة قضاء صفد.
حينها وثّقت من الحديث معه تفاصيل مجزرة الصفصاف التي وقعت في أكتوبر من عام ١٩٤٨، وقد نُشر بعضٌ من شهادته في مجلة (This Week in Palestine) آنذاك -مرفق المقالة بالتعليق الأول - يومها روى لي كيف طوّق أفراد العصابات الصهيونية قريتهم بعد انسحاب جيش الإنقاذ او كما كانوا يسمونه تهكّمًا "جيش الركاض".

تم الهجوم على قرية الصفصاف من ثلاث جهات، فقاوم كلُّ من كان يملك السلاح، وذلك في أعقاب انسحاب جيش الإنقاذ، لكن سرعان ما احتُلت القرية بعد قتل العصابات الصهيونية لعشرة فلسطينيين.

دخل الإسرائيليون منازل الفلسطينيين، وأخرجوا حشدًا كبيرًا من الرجال والشّبان منها وجمعوهم في ساحة القرية، فأمسك جميل بأخيه محمود ابن الـ ١٥ عامًا، وطوّقه بذراعيه من خاصرته محاولاً منع الجنود من أخذه، فركله الجندي وأخرج والده وأخيه، وبعد عدة دقائق سمعوا صوت إطلاق النار. 
أعدم الجنود رجال الصفصاف واحدًا تلو الآخر، قتلوا بدمٍ بارد ٧٠ شخصًا. 
لم تتوقف الجريمة عند هذا الحد، فقد أمر الجنود ٤ فتيات بجلب الماء من العين، وهناك أدخلوهنّ الى المنازل الخالية وقاموا باغتصابهنّ، وكانت إحدى الفتيات تبلغ من العمر ١٤ عاماً. 
وقيل أيضًا؛ أن أحد الضباط أجبر فتاةً حسناءَ من القرية تحت التهديد أن تبقى معه بعد انسحابهم من الصفصاف وارتكاب المجزرة، ولم يعرف عن مصيرها شيئٌ حتى اليوم. 
بعد أيام، عاد أفراد العصابات الصهيونية إلى القرية وأخبروا من تبقى فيها بأنهم يستطيعون البقاء بالصفصاف ولن يقوموا بتهجيرهم ويمكنهم نسيان ما حدث! 
"نسيان ما حدث .. بكل بساطة ننسى ما حدث؟ أبي، أخي، أعمامي، فتيات قريتي، هل سنثق بهم! "، يقول جميل حمد. 
حزَم من تبقى من عائلته أمتعته وبدأوا يخرجون من الصفصاف تباعًا حتى خلت القرية من سكانها..
من الصفصاف إلى قرية الجش المحاذية لهم، ومن ثم إلى يارون الواقعة في جنوب لبنان، وبعدها إلى مدينة صور، حتى انتهى بهم المطاف في مخيم شاتيلا في بيروت، حيث يمكث جميل حمد إلى يومنا هذا.

قبل أسبوعين، جاء محمد الزغموت اللاجئ المولود في مخيم اليرموك إلى فلسطين لأول مرة، بجواز سفر أجنبي، اصطحب معه أطفاله وزوجته المولودين بالمخيم أيضًا، وذهبوا إلى قريته الصفصاف، حيث أن والده نجا من المجزرة بأعجوبة بعد أن فقد ١١ شخصًا من عائلته. 
تجوّلنا فيما تبقى من القرية المهجرة، يكاد محمد يحفظ تفاصيلها وزواياها، فوالده لم يكف طوال حياته عن الحديث عن الصفصاف وما حدث بها حتى آخر يومٍ في حياته.. وبدوره ما يزال محمد يزرع في قلوب أطفاله وعقولهم، رواية جدّهم وحب الصفصاف، وحتمية العودة الى فلسطين.
كانت وصية والده أن يُدفن في الصفصاف، فما كان من محمد إلا أن يأخذ حفنة ترابٍ منها ليرشه على قبر والديه في مقبرة مخيم اليرموك..

قبل أيام، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تحقيقًا صحافيًا (مرفق بالتعليق الثاني)، أثار ضجة إعلامية فُضحت فيه ممارسات العصابات الصهيونية وآليات الترويع والتهجير، كما تضمن الكشف عن وثائق مرعبة لمجازر وجرائم وصلت إلى حد تقطيع أصابع الشهداء الفلسطينيين لأخذ خواتمهم الذهبية! 
كما نُشر في التحقيق، اعترافٌ واضح وصريح باقتراف مجزرة الصفصاف وحالات الاغتصاب، وهنا يجب الوقوف عند عدة أمور! 
لماذا يصدح العالم بما حلّ بنا ويتداوله بعد أن يُنشر إسرائيليًا؟ لماذا تبقى شهادات أجدادنا وما حلّ بهم مجرد مبالغات وتكذيبات إلى أن يخرج علينا مؤرخ اسرائيلي يساري ليؤكدها فتصبح وقتها من المُسلّمات؟ 
إلى متى ستبقى روايتنا مبنيّة على ما يُنشَر ويُسرّب من الأرشيفات الإسرائيلية؟

اجلسوا مع كبار هذه البلاد، استمعوا إليهم، دوّنوا كل كلماتهم وأحاديثهم، فالإنسان الفلسطيني هو الأرشيف.

#كنا_وما_زلنا


http://archive.thisweekinpalestine.com/details.php?catid=9&id=4270&edid=230&fbclid=IwAR31cp0QfAGC6PdyecL_PqUinFan5iJI80UCV3S5r2E0pEV4mEciPjagwWw 

 


https://www.haaretz.com/israel-news/.premium.MAGAZINE-how-israel-systematically-hides-evidence-of-1948-expulsion-of-arabs-1.7435103?fbclid=IwAR2ZZTVGDmd9d1Gjgt5hYpgvbrqaCmvKHCHtWaBWAA634TpAGIeJOtqA9sA